حكايات صاحبة الجلالة

قصة أول مظاهرة مصرية من أجل حرية الصحافة

إعداد: فريق دار الإعلام العربية

تاريخ نضالي كبير سطّره الصحفيون المصريون في مقاومة الفساد بشتى صوره، لا سيما منذ بدايات نشأة الصحافة ومروراً بالفترات الذهبية التي بزغ فيها كبار الكتاب الصحفيين، ما خلق إيماناً شعبياً عظيماً بقدرات الصحافة ومكانتها ودورها المحوري.

واحدة من اللحظات التاريخية التي عبّر فيها المصريون عن إيمانهم بالصحافة ودورها في مقاومة الاحتلال والفساد، كانت في العام 1909 عندما شارك الالاف في مظاهرة -هي الأولى من نوعها- من أجل حرية الصحافة.. فما القصة؟

في عدد صحيفة الدستور المصرية الصادر بتاريخ الثاني من شهر أبريل من العام 2008، أورد الكاتب الصحفي إبراهيم الطيب، قصة أول مظاهرة شعبية في مصر تنادي بحرية الصحافة. ونقل في تقريره شهادتين من اثنين من كبار الكتاب والمؤرخين الصحفيين المخضرمين آنذاك، تحدثا فيها عن تفاصيل تلك المظاهرة ودلالاتها.

في أواخر شهر مارس من العام 1909 كانت أول مظاهرة من نوعها للمطالبة برفع القيود التي كانت مفروضة على الصحافة وقتئذ من حبس الناشرين وسحب تراخيص العديد من الصحف. شارك فيها جميع فئات الشعب المختلفة بدءاً من المثقفين وصولاً إلى الطلاب.

كانت أهم مطالبهم فك القيود المفروضة على حرية الصحافة وقتها من خلال العمل بقانون المطبوعات القديم والذي كانت بمقتضاه تفرض عديد من القيود على إصدار الصحف في هذا الوقت إضافة إلى العقوبات الكثيرة التي تفرض على الصحفيين كالحبس لكل صحافي يشتغل بالعمل السياسي وتصب كتاباته هجوماً على المسؤولين سواء من الإنجليز أو المصريين، بالإضافة إلى تدخل مجلس النواب وقتها للمطالبة بفرض المزيد من العقوبات على الصحافة التي تكشف أمرهم وتغوص في أسرارهم.

أمام هذه الحملة المناهضة للحريات المكممة اللأفواه لم يقف الصحفيون تجاهها مكتوفي الأيدي مكتفين بالحسرة والندم على ما آلت إليه أوضاعهم من سوء، بل على العكس من ذلك أيقنوا تماماً أن هذه الحملة هدفها الهيمنة عليهم وعقدوا العزم فيما بينهم على الوقوف ضد هذه الأوضاع، وتجمعوا في صباح يوم الحادي والثلاثين بقيادة الصحفي المناضل أحمد حلمى -جد الكاتب الراحل صلاح جاهين- أمام سرایا عابدين، معلنين احتجاجهم في مظاهرة شعبية كانت هي الأولى من نوعها في هذا التوقيت تطالب بحرية الصحافة.

حصار أمني

وبرغم الحصار الأمني إلا أنهم حاولوا الوقوف أمام مقر الوزارات بجاردن سيتي ليعلنوا مطالبهم، لكن منعهم الأمن من الوصول إليها، واستمرت المظاهرة ورفعت فيها شعارات لأول مرة ننادي بحرية الصحافة واستشعر فيها المواطن العادي وقتها بأهمية الدور الذي تلعبه في الكشف عن الفساد والمفسدين، مما جعلهم يشاركون فيها بمختلف انتماءاتهم وتوجهاتهم.

ونقل تقرير صحيفة الدستور المشار إليه عن الكاتب الكبير الراحل رجائي الميرغني، وكيل نقابة الصحفيين السابق (الذي رحل عن عالمنا في الثالث من شهر يونيو من العام 2020): إن مظاهرة 31 مارس هي نقطة مضيئة في تاريخ الصحافة المصرية التي ناضلت من أجل نيل حريتها وفك قيوده، كما أن هذه المظاهرة قد سبق قيامها ببضعة أیام اجتماع مجموعة كبيرة من الناشرين ومالكي الصحف وعلى رأسهم أمين الرافعي، في قهوة بوسط البلد تدعي دار اللواء، وذلك للبحث في قضية تكوين نقابة الصحفيين؛ للدفاع عن حقوقهم والتصدي للقيود المفروضة عليهم. وكانت هذه هي أول مرة يتم فيها الحديث عن هذا الأمر، وبالفعل كلفوا أمين الرافعي بعمل لائحة للنقابة في إطار الحاجة لكيان يدافع عن الصحافة والصحفيين.

 

وشدد الكاتب والمؤرخ الصحفي الراحل في شهادته التي نقلها الكاتب الصحفي إبراهيم الطيب في تقريره بصحيفة الدستور المصرية في ذكرى مرور أكثر من تسعة عقود تقريباً على تلك المظاهرات، أن العلاقة بين الصحافة والسلطات الرقابية ظلت بعد هذه المظاهرة وحتى بداية الحرب العالمية الثانية علاقة كر وفر إلى أن انتهت بتطبيق قانون الأحكام العرفية وإعلان الحماية على مصر.

قصة الاحتلال

كما نقل التقرير عن الكاتب والمؤرخ الكبير الراحل كامل زهيري، نقيب الصحفيين السابق، قوله إن  “الاحتلال الإنجليزي كان يرید مد امتیاز قناة السويس، ولكن القوى الوطنية عارضت ذلك، وقام محمد فريد بالدعوة إلى تأميم قناة السويس؛ لكى تصبح القناة بمصر وليست مصر للقناة، وتم وقتها إعادة العمل بقانون المطبوعات بقيوده الشديدة التي يفرضها على حرية الصحافة.. وقتها اندلعت مظاهرة شعبية اشترك فيها نحو أكثر من عشرة آلاف من المصريين بمختلف فئاتهم وبدأت المظاهرة من ميدان سعد زغلول واتجهت إلى قصر عابدين؛ لإعلان احتجاجها على هذا القانون، ولكن الأمن قام بدفع المتظاهرين للاتجاه إلى ميدان الأوبرا القديم، وهناك تجمعوا لمدة ثلاثة أیام”.

وكان من أقطاب هؤلاء المناضلين الصحفى أحمد حلمي، وحكم عليه وقتها بالحبس ستة أشهر بتهمة إهانة الملك والخديوي، كما قامت الجريدة الناطقة بلسان الاحتلال بالسخرية من هذه المظاهرة لمشاركة غير المثقفين بها مطالبين بحرية الصحافة.

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى